احتفال شهر التراث العربي الأميركي ـ كلمة السيد وسام شرف الدين

السيدات والسادة … نرحّب بكم في المنتدى الثقافي في ديربورن، تقدمة المركز العربي الأميركي للثقافة والفنون .. ونجتمع في يومٍ عابئٍ بالذكريات والمناسبات التي تمت لنا، ولكل عربي أميركي بشكل مباشر:

فاليوم نحتفل بتأسيس المركز العربي الأميركي للثقافة والفنون في سنته السادسة، 

واليوم نحتفل بالذكرى السنوية لتأسيس الرابطة القلمية في نيويورك عام ١٩١٦م أو رسمياً حسب تأريخ ميخائيل نعيمة عام ١٩٢٠م، 

واليوم نحتفل بمئوية نشر كتاب النبي لجبران خليل جبران … أحد أهم إصدارات الرابطة القلمية، و من أكثر الكتب انتشاراً واشتهاراً ومبيعاً وترجمةً في تاريخ العالم، 

ونجتمع اليوم في شهر نيسان وهو الشهر الذي أعلن الرئيس بايدن العام الماضي، وهو أول رئيس أمريكي يعلن عن ذلك، بأن شهر نيسان هو الشهر الوطني للتراث العربي الأمريكي لتكريم مساهمات العرب الأمريكيين للولايات المتحدة، ووفق تعبير وزارة الخارجية الأميركية: ” لقد عزز الأمريكيون الذين هم من أصل عربي إنجازات الولايات المتحدة في مجالات الدبلوماسية والعلوم والتكنولوجيا والفنون والثقافة، كما كان العرب الأمريكيون في طليعة المعركة من أجل الحقوق المدنية والعدالة الاجتماعية. نحيي الشهر الوطني للتراث العربي الأمريكي من خلال الاحتفال بالثقافة والتراث الغنيين اللذين يتمتع بهما العرب الأمريكيون وتكريم مساهماتهم في الولايات المتحدة، بما في ذلك هنا في وزارة الخارجية وبكل فخر. “

وعبّر الرئيس الأميركي بايدن بقوله ضمن خطاب طويل: “بايدن: قصة العرب الأمريكيين هي قصة أمريكا- قصة من خلفيات وأديان متنوعة، وتقاليد نابضة بالحياة، وابتكار جريء، وعمل جاد ، والتزام بالمجتمع، والوطنية القوية، وكلها تتحد لإنجاز شيء أعظم من أي واحد منا”.

أيها الأخوة والأخوات،

أعذروني بأنني سوف أترك كلمات الاحتفال بهذه المناسبة، وانجازات العرب الأمريكان ومساهماتهم في بناء المجتمع الأميركي ونجاحه، وما تعنيه هذه المناسبة من مقاومة للعنصرية، وتقدير للتعددية، ومبادرة لتلاقي وتلاقح الثقافات والحضارات، وأذهب إلى موضوع أعتقد بأهميته وأؤمن بخطره.

إن حضارتَنا حضارةٌ امتدت من عمق التاريخ، وساهمت في تقدم الإنسان، مئات الممالك، وعشرات الأديان، ومئات الأنبياء، وآلاف العلماء، ساهمت بتأسيس جلِّ المعارف، وإنشاء أكثر العلوم، وحكمت العالم من شرقه إلى غربه، فانتعشت في حكمها الأقليات، وعاش الناس بشكل عام في ظلها برخاء وأمان، حتى تكالبت عليها الأمم، ثم أساءت تنظيمها واستبدت بحكمها، فسقطت إثر تراكم الأزمات، وتضاعف الضربات، رغم أنها صدت المغول شرقاً في عين جالوت، وقاتلت ثماني حملات صليبية، إلا أنا دخلت في أسر الحكم العثماني الذي أرجعها للوراء، في عصر يسمّى اليوم بعصر النكسة، خرجت منه ضعيفة الجسد، متأخرة الفكر، فقامت بثورة ثقافية وهي النهضة العربية ومعها ثورة سياسية تجلّت في الثورة العربية الكبرى وثورة سعد زغلول وغيرهما.

ولكن سرعان ما انقضّ عليها الاستعمار ليطفأ ذلك النور في أول لمعانه، ويكبح تلك اليقظة في نعومة أظافرها، فتقاسمتها الدول وفتتتها إلى دويلات ضعيفة، وحفّزت فيها الطائفية والانقسامات العرقية والدينية، وكلما خرج صوت لينادي بيقذتها وصحوتها كان مصيره الموت أو النفي أو الأسر، ثم زُرعت دولة إسرائيل في قلب المنطقة لتأبيد الصراع فيها، وانتزاع الأمل منها.

ووقفت أميركا تاريخياً موقفين من الأمة العربية … موقف يمكن أن يرمز له الرئيس وودرو ويلسن الذي أبى أن يحكم الناس إلا من يرضون بحكمه، وموقف آخر ممكن أن يرمز له أغلبية الرؤساء الذين جاؤوا من بعد ويلسن، وهو موقف الميول الصريح والفاضح لإسرائيل وضد أي مشروع عربي نهضوي وازدواجية المعايير إلى أقصى الحدود، فذلك الواقع العربي الذي كرّسته الخيانات العربية المترادفة، وهذه السياسة الأمريكية مع فشل زحزحتها عن توجهها المتحيّز موجات الانتخابات السياسية،  أيها السيدات والسادة … أودت بنا إلى هنا … نعم نحن الذين نجلس في هذه القاعة اليوم.

نحن هنا بسبب تراكم تاريخي، لا باختيارنا، ولا بقرارنا، وفي بعض الأحيان، حتى من غير علمنا.

ولكن أولادُنا لا يعرفون من تلك القصة إلا ذيلها، ومن هذا المحيط إلا رغوتَه الطائفَة على شاطئه.

وبهم اختُزل التراثُ والثقافة العربية … فهم لا يعلمون عن ثقافتنا إلا نَدراً، وعن تراثنا إلا مَدراً،  مع شيء من الرقصات الشرقية، والوجبات الشهية، والتطاريز الغنية والدبكة والأزجية. نعم… لقد شقينا لنربي أولادنا في المغترب أهنأ تربية، أنشأناهم في أحسن جامعاتها، وأعددناهم في أفضل معاهدها، فلما تمخّض الجبل، أولد فأراً … يقدم حضارته بصحن من الحمص ودشداشة وهزة لخواصره.

أيها العربي الأميركي .. أنت عربي وأميركي وهذه مسؤولية كبيرة… 

أنت كعربي أميركي عليك مسؤولة حماية القيم التي أسست لهذه الدولة لأن تكون حضناً دافئاً لك وملاذاً ناجعاً لهويتك، فعليك حماية تلك القيم، قيم مثلاً بنجامين فرانكلين، معرّف الروح الأمريكية بوصفها تزاوجًا بين القيم العملية للعمل الجاد والتعليم والروح المجتمعية والمؤسسات ذاتية الحكم، ومعارضة السلطوية السياسية والدينية، وبين القيم العلمية والمتسامحة للتنوير …

كما عليك مسؤولية إيصال فكر السيد جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده والأستاذ بطرس البستاني في عالمية هويتنا العربية وحاجة العالم الغربي لروحنا العربية المفعمة بالحنان والأخوة والعطاء والتفاني والوضوح والشجاعة الفكرية.

أنت كعربي أميركي عليك مسؤولية حماية قيم جون آدمز المؤسس للدولة المدنية، وألكسندر هاميلتون،الذي أسس مؤسسات الدولة وكتب أهم نظريات الحكم القائمة على فصل السلطات وبناء جيش واقتصاد قوي في مجتمع حر. وحماية قيم توماس جفرسون الثائر الذي قاتل من أجل مبادئ الجمهورية وحقوق الإنسان.

كما عليك مسؤولية إيصال فكر مكافحة الاستبداد للكواكبي وفكر البناء الأخلاقي للمجمتع لمالك بن نبي وفكر تلازم الجمال والحرية لمصطفى العقاد وفكر اندماج الحضارات لمحمد أركون.

وأنت كعربي أميركي عليك مسؤولية حماية قيم مارتن لوثر كنج الذي يقول بأن السكوت عن الظلم في أي مكان هو دعم للظلم في كل مكان، كما عليك مسؤولية إيصال مبادئ علي بن أبي طالب الذي قال: ” مَن قصّر عن أحكام الحرّيّة أعيد إلى الرِّق” وعمر بن الخطاب قائلاً: “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا”  وقول جبران: “العصفور لا يبني عشاً في القفص حتى لا يورث ابنه العبودية”.

أنت كعربي أميركي عليك مسؤولية كمسؤولية الشباب العربي في باريس عام ١٩٠٧ عندما أسسوا الجمعية العربية الفتاة لقيادة نهضة سياسية في العالم العربي والعمل على انتزاع حقوق شعوبهم.

كما أن عليك مسؤولية كمسؤولية الجاليات العربية في المغترب الذين أسسوا للمؤتمر العربي الأول في باريس عام ١٩١٣ لتنظيم العقل العربي للخروج من زمن النكسة.

كما أن عليك مسؤولية كمسؤولية الشباب العربي في نيويورك عام ١٩١٦ عندما أسسوا الرابطة القلمية واصدروا عدة جرائد و عشرات الكتب ومئات المقالات كانت جسراً ثقافياً هزت العالم العربي وشاركت في بناء عقله.

وإن عليك مسؤولية استمرار  الثورة العربية الكبرى في مقاومة سايكس بيكو، ومسؤولية استمرار الانتفاضة الفلسطينية في مقاومة المشروع الصهيوني، ومسؤولية استمرار الربيع العربي في مقاومة الأنظمة القمعية والاستبدادية، ومسؤولية دعم النهضة العربية الحديثة في الخليج العربي، ومسؤولية الوقوف مع المحاولات الإصلاحية البرلمانية في كل الدول العربية.

إن حجم اقتصاد الدول العربية مجتمعة لا يساوي نصف اقتصاد دول أوروبية مثل إيطاليا، وحجم إنفاق الدول العربية على البحث العلمي لا يساوي مجتمعاً ما تنفقه إسرائيل على البحث العلمي، و هذا التخلف الذي تقوده حكومات هي في أغلبها فاسدة ومترهلة ومستبدة بالحكم، تعتبرها الولايات المتحدة الأمريكية استقراراً سياسياً مناسباً لمصلحتها، ولذلك فهي تحافظ عليه، وتمنع زعزعته، فأين دورك أنت؟

إن السياسة الخارجية الأميركية لها دور كبير في تشكيل المناخ الذي نتج عنه أغلب الهجرة العربية إلى أمريكا … هذه الهجرة التي هي أقرب إلى اللجوء أو النفي منها إلى الهجرة. وأنت كعربي أميركي تعيش وهم النجاح ريثما تُنهب ديارُك وثرواتُك وأرضك وميراث أجدادك وتُمحى لغتك حرفاً حرفاً وتهجّن ثقافتك رويداً رويداً، وأنت تظن أنّك انتصرت لأنك أصبحت طبيباً أو مهندساً مسلوخاً من ثقافتك، مقطوعاً من أصلك، ممحيّاً من كتب التاريخ. 

إن إحياء الثقافة العربية الأميركية هو  الدفاع عن هويتك وبناء الجسور مع وطنك، كما أنه الدفاع عن الدستور الأمريكي والمبادئ الأمريكية والروح الأمريكية التي وصفها وأسسها مجموعة من المفكرين والمستضعفين والمتنورين والثائرين الذين هم الآباء المؤسسون لأمريكا من كل ما تميل إليه الثقافة الأمريكية والإدارة الأمريكية اليوم من انحراف عن ذلك، والجميل في أمريكا أنها تملك وسائل محاسبة النفس وتصحيح المسار، كما نرى ذلك مرة تلو الأخري، و لكن لا يكون ذلك إلا بجهود شعبية، ينبغي للعرب الأمريكيين أن يكونوا في ريادتها.

فإذا كان هناك إحياء للثقافة العربية الأمريكية، فهو إحياء للثورة العربية فينا … ثورة فيصل بن الحسين، ورستم حيدر وسعد زغلول وأحمد عرابي، وإحياء للثورة الأمريكية وتصحيح المسار، وهو تعزيز للمقاومة الثقافية والسياسية العربية الأمريكية ضد أي ميول أو إجراءات أمريكية تخرج أمريكا عن أخلاقها الأساسية، وهو وقوف مع حركات النهضة والتحرر والإصلاح في الوطن العربي، وهو وقوف مع الفكر والمفكرين الأمريكيين في خندق واحد المدافعين عن أمريكا الأخلاقية، أمريكا تومس باين و ابراهام لنكن ومارتن لوثر وناعوم تشومسكي وسوسان جاكوبي وإدوارد سنودن…

والآن أترككم مع الفقرة الأولى مع رئيس المركز العربي الأميركي للثقافة والفنون، سعادة السفير الدكتور علي عجمي متحدثاً حول ذكرى تأسيس المركز.

مع نائب رئيس المركز العربي الأميركي للثقافة والفنون العميد الدكتور نبيل الخطيب، عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية في الجامعة اللبنانية، متحدثاً حول الرابطة القلمية وثنائية الكتابةباللغتين العربية والإنجليزية.

يشرفني أن أقدم لكم أحد علماء التاريخ المتخصصين في تاريخ العرب الامريكيين، وهو أستاذ التاريخ والدراسات العربية الاميركية في جامعة ميشيجان في ديربورن … الدكتور هاني باوردي متحدثاً عن أعضاء الرابطة القلمية وتأسيس المجتمع وتمير شعرهم وإيجابياتهم.

مع أستاذ الأدب العربي والترجمة في جامعة ميشيجان في ديربورن الدكتور وسام المليجي متحدثاً عن كتاب النبي لجبران خليل جبران

أشكركم على حضوركم وأنوّه برعاة برنامج اليوم: 

Elite Sports لصاحبه أحمد مكي

و iCode Canton مركز تعليم الأطفال التكنولوجيا والبرمجة والانتاج الفني والتقني

أدعوكم للانضمام إلى المركز كأعضاء فاعلين فيه وشكراً لكم و إلى اللقاء في الشهر القادم